يوم أمسٍ الخميس قام زيد من الناس ( أعرفه شخصياً ) بتشييع جنازةٍ لامرأةٍ تمت بصلة قرابةٍ لجاره المقرب منه، في مقبرة النسيم بشرق الرياض، وأثناء انشغال الجمع المبارك بدفن الجثة وتوسيدها الثرى ومواساة المكلومين من أبناءها وأقاربها، صرخ أحد المشيعين فجأةً وبأعلى صوته : تحققوا من جيوبكم أيها السادة، لقد سرقت ! تحسس صاحبي جيبه فقال : الحمد لله على كل حالٍ لقد سرقت، قال عمرو من الحاضرين وأنا سرقت، ثم تعالى صوت رابعٍ وأنا سرقت أيضاً ! لينقسم الجمع إلى قسمين، قسم يتحقق من وجود ممتلكاته الشخصية داخل جيوبهم، وقسم يصفف اللبن تمهيداً للقيام بعملية إهالة التراب على ذلك الجسد الراحل !
فسد التأمل، وطاشت الخشية، وانشغل الفؤاد بضياع المال والبطاقات الشخصية وبطاقات الصراف الآلي ! أحد الضحايا قيد رقمه السري على ظهر بطاقة الصراف، ليتمكن اللص بسرعةٍ فائقةٍ من سحب مبلغ خمسة الآلف ريالٍ قبل أن يلغيها صاحبها، والحمد لله أنها لم تكن بطاقة فيزا أو ماستر كارد، فلربما زين الشيطان للص الحقير أن يقتني سلعةٍ باهظة الثمن على ظهر المسكين، توجه الجمع المغدور إلى مركز الشرطة وقيدوا جميعاً محضراً بالواقعة، لينضموا إلى قافلة البؤساء الطويلة، ولتندلق أسئلتي عليكم وعلى أسماع اللصوص بصوتٍ مرتفعٍ .
حتى المقابر يا أعداء الله لم تسلم من أيديكم !؟ امتدت أيديكم المشوهة قطعها إلى جيوب عباد الله قرب الكعبة المشرفة، في صحن الطواف ! بل ووصل الخزي بكم إلى السطو على بيوت الله، وسرقة المكيفات والفرش والسماعات ودواليب المصاحف بل وحتى كلام الله لم يسلم من السرقة، إضافةً إلى الأشرطة السمعية والساعة الحائطية، البعض من هؤلاء الخنازير، أشعل النار في المسجد ( أشعل الله قبره ناراً ) بعد الفراغ من عملية السطو كما وقع في أحد مساجد مدينة الرياض قبل عام تقريباً !
ما القلب الذي يخفق في جوانب هذا اللص الحقير ليداري فجوره خلف الأجداث الصامتة، والمآقي المنهمرة، والقلوب الواجفة، ألا ميثاق شرفٍ على الأقل لدى هؤلاء الأوغاد !؟ في المقبرة يا حثالة البشر، في المقبرة حرقتكم الصاعقة !؟ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
ثم إنني أتوجه بالسؤال التالي إلى العيون الساهرة أو النائمة أو الذاهلة أو الغائبة، إلى متى إن شاء الله !؟ ما باقي إلا ملابسنا الداخلية ! بيوتنا نهبت، هواتفنا المتحركة تم اختطافها تحت تهديد السلاح مع شرائحها، مركباتنا تم السطو عليها في وضح النهار وتحت تهديد السلاح ! أعرف زيداً من الناس تم السطو على منزله أكثر من مرةٍ ولم تحرك الشرطة ساكناً، أين البحث الجنائي !؟ فالحين على بائعي الطرطعانات وصواريخ العيد !؟ لا وليتهم يتلفونها كما تتلف المخدرات، خلونا ساكتين بس ...
لماذا لا تتفرغ الدولة لتطهير الوطن من هؤلاء الأوباش الحرامية، كما تفرغت لمطاردة المطلوبين أمنياً !؟ والأمن منظومة متكاملة لا تتجزأ بأي حالٍ من الأحوال إلا عند مريدي الثرثرة والبربرة، ما ضيع الوطن إلا هذه التقسيمات، جرائم جنائية، جرائم إرهابية، جرائم لا أخلاقية، جرائم أموال إلخ ... الجريمة جريمة وهي لا تتجزأ أبداً، هي خلل يعصف بالمجتمع ككيانٍ ونسيج مترابط، والمجتمع لا يتجزأ هكذا قالت القيادة !
أخرج من بيتي كل صباحٍ وأنا أدعو ربي أن أجد مركبتي في مكانها، بل إنني فكرت أن أكتب عباراتٍ رقيقةٍ، أستعطف اللص فيها أن يسطو على مركبات بعض كتاب الصحف ويدع مركبتي في مكانها، بل هممت أن أدون عناوين منازلهم من باب دفع الشر بأقلام هؤلاء المرتزقة الأوغاد، الذين أشغلونا بالترف الفكري لأبوابٍ تافهةٍ من مشاكل اجتماعيةٍ لا وجود لها، إلا في خيالاتهم المريضة الشهوانية ! إنني أتمنى أن يسطو لص ما على مركبة بعض الصحفيين بمن فيها، على الأقل يضرب أكثر من عصفورٍ بعمليةٍ واحدةٍ، يكف عنا ( نحن الضعفاء ) آذاه، ينشغل الصحفي بقضايا أمته المصيرية، بدلاً من النفاق والارتزاق والنيل من المراكز الصيفية وحلقات تحفيظ القرآن، يلفت الصحفي المرتزق نظر السلطة إلى خطورة تفشي ظاهرة السرقة والسطو في الدولة .
أخيراً : لو بعث الله الجاحظ مرةً أخرى، لما تجرأ على تصنيفٍ كتابٍ عن الشطّار، ما الذي سيسطره وما الذي سيسوده، ما أخاله إلا منتحراً بمداد قلمه على وقع هذه الأهوال التي يرزح تحتها الوطن، لن يتجرأ على وصف لصوص المقابر ولا المنابر الإعلامية حتى، أو كما قال صاحبنا العتيد، بروفيسور البرطميات الشهير، اختطاف التعليم ! اختطفت ابتهال المطيري ( ردها الله سالمةً ) ولم يتحرك أحد من هؤلاء المرتزقة ليكتب عنها، اختطفت المركبات والجوالات بل وحتى المأكولات، وتم السطو على المحافظ من جيوب عباد الله في المساجد والمقابر وعند الكعبة، بل وحتى محافظ الأسهم البنكية، ويا خوفي من غدٍ، يا خوفي من غدٍ يتم فيه اختطاف جثث الأموات بعد دفنها، ليساق إلى بيعها على محلات الجزارة، تحت مسمى لحوم حلواني مدخنة بالزيتون أو سادة بالبهارات فقط ! أو على أنها لحوم نعيمي، أو لحوم نجدية مذبوحة حسب الشريعة الإسلامية، أو بيعها لطلاب كلية الطب ليتمكنوا من تشريحها جيداً، كما يحصل في بعض الدول العربية